صراع الفكرة والوثن:
يفسر مالك بن نبي سبب إطلاق القرآن الكريم مسمى "الجاهلية" على الفترة التي سبقت الإسلام على الرغم من المستوى الثقافي الرفيع الذي وصل إليه العرب آنذاك متمثلًا في صناعة الأدب والشعر على سبيل المثال، فيقول إنه بالرغم من ذلك المستوى ظل المجتمع جاهليًا، لأن هذا التراث الثقافي لم يكن يغرس أفكارًا وقيمًا خلاّقة بل كان ينصب أصنامًا، وهكذا رغم رونقه البراق إلا أن علاقاته المقدسة كانت تدور حول أوثان الكعبة، ومن الطريف أن العلاقة بين الوثنية والجاهلية علاقة تبادلية فليس من قبيل المصادفة أن الشعوب البدائية تؤمن بالأوثان والتمائم.
من ناحية أخرى تمثل العلاقة بين الفكرة والوثن تطرفًا لعلاقة (الفكرة والشخص)، ويضرب بن نبي مثلًا بالجزائر، حيث حافظ الشعب هناك على قبب الأولياء ومكانتها المقدسة عبر قرون ما بعد الموحدين إلى أن برزت فكرة الإصلاح في عام ألف وتسعمائة وخمسة وعشرين فبينما كان يذهب المريدون ليطلبوا الجنة من شيخهم، غيّر الإصلاح الفكرة عن الجنة بكونها أمرًا لا يُدرك إلا بعرق الجبين، فالنهضة تقوم عبر توظيف مصادر الروح الإسلامية التي أفلتت من وثنيتها.
هل كان انتصار الفكرة حاسمًا ونهائيًا؟ ليقول إن الحركة التي قادها العلماء لم تكن محصنة ضد العودة إلى الوثن الجديد؛ وثن الزعيم صانع المعجزات السياسية، فالنخبة المثقفة لم تتمحور حول أيديولوجية الفكرة الثورية، وإنما حول أصنام جُدد.
في كتاب "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، يصحبنا المفكر الجزائري مالك بن نبي في رحلة لتحليل إحدى المشكلات الحضارية التي يعاني منها العالم الإسلامي؛ وهي مشكلة أفكاره التي تُشكل حضارته وتطبعها، محاولًا تحليل أصل الصعوبات التي تربك عالم الأفكار وتوقعه في التناقض، ومؤكدًا على خطورة المشكلة ومدى وزنها في تحديد مصير المجتمع الإسلامي.
